دراسة موجزة من “ريفورم” حول تعيين قاضي تحقيق في ملف انفجار المرفأ
الخلاصات:
أوّلا: أنّ ملف تحقيق المرفأ يتولاه محقق عدلي معين وفقا للأصول.
ثانيا: لم ينص القانون على أي اجراء أو صلاحية لتعيين محقق عدلي رديف.
ثالثا: الأحكام المرتبطة بهذا الخصوص هي أحكام خاص وتفسيرا تفسيرا ضيقا.
رابعًا: انّ طلب وزير العدل بحد ذاته هو خرق للدستور ولمبدأ فصل السلطات
الدراسة الموجزة:
تعليقا على قرار مجلس القضاء الأعلى القاضي بتعيين قاضي تحقيق في ملف انفجار المرفأ الى حين “تمكن القاضي الأصيل من وضع يده على الملف”، ومن منطلق علمي وقانوني وموضوعي بحت، يهم منظمة ريفورم أن تبدي ما يلي:
أوّلا: بالنظر الى الظروف التي سبقت القرار، ولا سيما أنّ القرار المذكور صدر بناء على طلب بموجب كتاب عاجل من وزير العدل هنري الخوري الى مجلس القضاء الأعلى وأعضائه، يطالبهم بتعيين قاضي تحقيق في ملف انفجار المرفأ، ليبت بالأمور الملحة والضرورية في الملف المذكور الى حين تمكين القاضي الأصيل من وضع يده على الملف.
وعليه، قبل البحث في مدى قانونية القرار الصادر عن مجلس القضاء الأعلى، يقتضي أولا البحث في مدى قانونية الاجراء أو الطلب الصادر بموجب “كتاب عاجل” من وزير العدل الى مجلس القضاء الأعلى. وما هو التوصيف القانوني الصحيح لمثل هذا الاجراء؟
جوابا على هذه النقطة، نشير أوّلا الى أنه بالمفهوم القانوني والدستور انّ وزير العدل لا يشكل رئيسا تسلسليا للقضاة، وهو ليس رئيسا للقضاة بل ينحصر دوره بمواكبة ومؤازرة حسن سير العمل القضاة.
وبالتالي القضاة ليسوا موظفين تابعين للوزارة ولا يأتمرون بأوامر وتعليمات الوزير.
بل القضاء سلطة مستقلة كما نصّ الدستور اللبناني، وأنّ التشكيلات القضائية والتعيينات تمر بأصول خاصة وإجراءات معينة منصوص عنها قانونا.
وحيث أنّ المرجع في تعريف وتحديد ماهية القضاء كسلطة قضائية مستقلة، هو الدستور اللبناني وتحديدا في مقدمة الدستور التي نصت على ما حرفيته:
وقد نص الدستور اللبناني (مثله مثل معظم دساتير العالم) الصادر في 23 أيار سنة 1926 وتعديلاته، لا سيما في المقدمة التي أضيفت بموجب المادة الاولى من القانون الدستوري رقم 18 الصادر في 21\9\1991 في الققرة (ه) على أنّ النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.”
و في المادة 20 منه والتي نصت على ما حرفيته:
“السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة.
أما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني.”
وحيث أنّه نصت المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي المخصوص بتنظيم وزارة العدل على أنه:
“تعنى وزارة العدل بتنظيم شؤون القضاء والسهر على حسن تطبيق القوانين والنصوص التنظيمية المتعلقة به اعداد مشاريع القوانين والنصوص التنظيمية التي تكلف بها وابداء الرأي في المسائل التي تعرض عليها وتمثيل الدولة امام المحاكم وتنظيم شؤون السجناء والاحداث المنحرفين.
وتعنى ايضا بشؤون الكتاب العدل والخبراء ووكلاء التفليسة ومراقبي الصلح الاحتياطي.”
فيما المادة الرابعة من المرسوم نفسه قد نصت على ما حرفيته:
“تخضع المحاكم العدلية والادارية ومعهد الدروس القضائية لانظمتها الخاصة وينظم المعهد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل.”
وليس هنالك في المرسوم الاشتراعي بأسره ما يفيد أو يعطي الصلاحية لوزير العدل بأن يطلب تعيين قاض رديف للمحقق العدلي، كما أنّه ليس في قانون أصول المحاكمات الجزائية أي نص يعطي صلاحية تعيين قاض محقق عدلي رديف سوى بالطريقة نفسها التي نص عليها القانون.
وقد سبق لمنظمة ريفورم أن نشرت دراسة قانونية بتاريخ 17\10\2021 عن مدى جواز اقالة أو رد المحقق العدلي من الوجهة القانونية، حيث ورد فيها أنّه “يدخل المجلس العدلي في فئة المحاكم الاستثنائية”
وقد نصت المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتحديدا الفقرة الثانية منها على ما حرفيته:
“يتولى التحقيق قاض يعينه وزير العدل بناء على موافقة مجلس القضاء الأعلى. “
ولكن لم يأت هذا النص أو سواه من النصوص على حالة وجود محقق عدلي معين وفق الأصول القانونية وانما يتم تعطيل دوره باجراءات قانونية مخالفة ومتكررة تارة عبر نقل الدعوى وطورا عبر طلب رد المحقق العدلي. فهل يجوز في هذه الحالة تعيين محقق عدلي رديف؟
برأينا لم يأت النص على ذكر هذه الحالة، مع التأكيد على أنّ أحكام المحقق العدلي والاحالة الى المجلس العدلي هي أحكام خاصة واستثنائية تفسر تفسيرا ضيقا ولا يجوز التوسع في تفسيرها.
وبالتالي، فاننا نعتبر أنّه من هذا المنطلق، لم ينص القانون على صلاحية وزير العدل بالطلب الى مجلس القضاء الأعلى تعيين محقق عدلي رديف، لعدم وجود أي نص يمنح لا مجلس القضاء الأعلى ولا وزير العدل مثل هذه الصلاحية.
بناء على ما تقدم، يتم توصيف الكتاب المرسل من وزير العدل الى مجلس القضاء الأعلى بمثابة تدخل صارخ للسلطة التنفيذية بأعمال السلطة القضائية، لا سيما وأنّ هذا الكتاب يتعلق بدعوى قيد النظر، ومع ما رافق هذا الأمر من تصريحات إعلامية ولقاءات سبقت صدور القرار من سياسيين تابعين لجهات سياسية معينة مع وزير العدل، حيث تم التصريح عقب اللقاء أنّ هنالك نتائج قانونية منتظرة ومرتقبة تتعلق باخلاء سبيل موقوفين في هذا الملف.
وهنا، نسجل مخالفة قانونية أخرى واثباتا دامغا على أنّ الاجراء المتخذ هو مبني على أحكام مسبقة، وقرارات متخذة مسبقا لناحية تبرئة بعض الأشخاص واخلاء سبيلهم، ما يعتبر مسّا بشفافية وبنزاهة التحقيق ومن بعدها المحاكمة.
وهنا يصح الاقتباس من مونتسكيو، العلامة شارل لويس سيكوندا دي منتسكيو، صاحب العبارة “فصل السلطات” في كتاب “روح القوانين” الصادر في العام 1748 م والذي ظهر في عصر الأنوال الذي سبق الثورة الفرنسية، وهو القائل:
“عندما تتحد السلطات التشريعية والتنفيذية في نفس الشخص، أو نفس هيئة القضاة لا يمكن أن تكون هناك حرية؛ لأن المخاوف قد تنشأ، خشية أن يقوم نفس الحاكم أو مجلس الشيوخ بسن قوانين استبدادية لتنفيذها بطريقة استبدادية يكون ضحيتها العامة”
وحيث أنّه اعتبرت استشارة هيئة التشريع والاستشارات على عدم جواز تدخل الادارة في سير الدعاوى تحت طائلة مخالفة مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء في وظيفته، وذلك في الاستشارة رقم 183\1972 تاريخ 14\6\1973، الرئيس روجيه شدياق، حيث ورد فيها ما يلي:
“بما ان المادة 20 من الدستور اللبناني كرست استقلال القضاة في اجراء وظائفهم.
وبما ان المادة الأولى من قانون اصول المحاكمات المدنية كرست ايضاً هذا المبدأ، اذ نصت على ان المحاكم مستقلة كل الاستقلال تجاه جميع السلطات في تحقيق الدعاوى والحكم فيها”.
وبما انه لا يجوز للسلطة الادارية، تحت ستار تعميم، ان تتدخل في سير الدعوى بغية تأخير الفصل بها، وذلك تحت طائلة مخالفة مبادئ فصل السلطات واستقلال القضاة في اجراء وظائفهم.“[1]
وكذلك ورد في استشارة هيئة التشريع والاستشارات، رقم 757\1993، تاريخ 27\4\1993، الرئيس سامي عون، على ما حرفيته:
“وحيث ان المحاكم اللبنانية تمارس صلاحياتها القضائية باستقلال تام عن وزارة العدل بحيث لا يكون لهذه الاخيرة ان توجه عملهم القضائي، فلا يكون بإمكان الوزارة ان تطلب من المحكمة ان تعلن عدم صلاحيتها للنظر بالدعوى.”[2]
وحيث أنهّ على نحو آخر، ورد في رأي هيئة التشريع والاستشارات في الاستشارة رقم 4\2000 تاريخ 4\1\2000، صراحة على أنّ السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية كما ورد في الفقرة (ه) من مقدمة الدستور، وكذلك بحسب المادة 20 من الدستور اللبناني، ليخلص الى مبدأ عدم جواز للسلطة التشريعية نقض الأحكام الصادرة في الخصومات الناشئة بين الأفراد أو تعديلها أو منع تنفيذها.
حيث نصت الاستشارة المذكورة على ما حرفيته:
“قد اقر الدستور اللبناني استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية:
اولاً: بواسطة الفقرة (هـ) من مقدمته المعدلة بالقانون الدستوري رقم 18 والقائلة بأن النظام قائم على مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها”.
وثانياً: بالمادة 20 منه التي تنص على ما يأتي:
“السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة. اما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم، وتصدر القرارات والاحكام من قبل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني”.
كما اقر قانون اصول المحاكمات المدنية مبدأ الاستقلال هذا في المادة الاولى منه حيث جاء:
“القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الاخرى في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، لا يحد من استقلالها أي قيد لا ينص عليه الدستور”.
وقد اكد هذا المبدأ ايضاً قانون نظام القضاة العدليين في المادة الثانية منه بقوله: “القضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم”.
وبالتالي، يترتب على المبدأ المذكور آنفاً انه لا يجوز للسلطة التشريعية أو للسلطة التنفيذية نقض الاحكام الصادرة في الخصومات الناشئة بين الافراد أو تعديلها أو منع تنفيذها.”[3]
انّ هذه الآراء والمبادئ القانونية تؤكد ما يلي:
أوّلا: أنّ ملف تحقيق المرفأ يتولاه محقق عدلي معين وفقا للأصول.
ثانيا: لم ينص القانون على أي اجراء أو صلاحية لتعيين محقق عدلي رديف.
ثالثا: الأحكام المرتبطة بهذا الخصوص هي أحكام خاص وتفسيرا تفسيرا ضيقا.
رابعا: ظروف قبل صدور الطلب من وزير العدل وبعده من لقاءات سياسية وتصريحات إعلامية تثبت أمران:
- الأمر الأول أنّ الاجراء المذكور لا يتخذ بشكل عام، وانما للبت بطلبات محددة في قضية قيد النظر.
- الأمر الثاني أنّ الاجراء المذكور يمهد لأحكام مسبقة وترقب قرارات اخلاء سبيل لمدعى عليهم وموقوفين في الملف المذكور .
وبالتالي، انّ طلب وزير العدل بحد ذاته هو خرق للدستور ولمبدأ فصل السلطات، ومخالف للصلاحيات المعطاة له بموجب القوانين المرعية الاجراء. وانّ قرار مجلس القضاء الأعلى بالتالي هو قرار لا أساس قانوني له وبالتالي هو حكما عديم الوجود.
ولكن، يبقى السؤال، ماذا ستكون انعكاسات القرار من الناحية العملية؟ وما مفاعيل العملية لقرارات المحقق العدلي الرديف؟ وهل ستسود أحكام القانون؟
[1] هيئة التشريع والاستشارات، الاستشارة رقم 183\1972 تاريخ 14\6\1973، الرئيس روجيه شدياق، المنشور في البوابة الالكترونية صادر.
[2] هيئة التشريع والاستشارات، الاستشارة رقم 757\1993، تاريخ 27\4\1993، الرئيس سامي عون، المنشور في صادر، البوابة الالكترونية,
[3] هيئة التشريع والاستشارات، الاستشارة رقم 4\2000، تاريخ 4\1\2000، المنشور في صادر، البوابة الالكترونية.