حالة الطوارىء: واجبة أمس قبل اليوم

ينص المرسوم الاشتراعي رقم 52 (اعلان حالة الطوارىء أو المنطقة العسكرية) وفي المادة الرابعة منه حول صلاحيات السلطة العسكرية، على ما يلي:

 

“للسلطة العسكرية العليا، في حالة اعلان حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية الحق في:
1 – فرض التكاليف العسكرية بطريق المصادرة التي تشمل: الاشخاص والحيوانات والاشياء والممتلكات.
2 – تحري المنازل في الليل والنهار.
3 – اعطاء الاوامر بتسليم الاسلحة والذخائر والتفتيش عنها ومصادرتها.
4 – فرض الغرامات الاجمالية والجماعية.
5 – ابعاد المشبوهين.
6 – اتخاذ قرارات بتحديد اقاليم دفاعية واقاليم حيطة تصبح الاقامة فيها خاضعة لنظام معين.
7 – فرض الاقامة الجبرية على الاشخاص الذين يقومون بنشاط يشكل خطرا على الامن واتخاذ التدابير اللازمة لتأمين المعيشة لهؤلاء الاشخاص ولعائلاتهم.
8 – منع الاجتماعات المخلة بالامن.
9 – اعطاء الاوامر في اقفال قاعات السينما والمسارح والملاهي ومختلف اماكن التجمع بصورة موقتة.
10 – منع تجول الاشخاص والسيارات في الاماكن وفي الاوقات التي تحدد بموجب قرار.
11 – منع النشرات المخلة بالامن واتخاذ التدابير اللازمة لفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات والنشرات المختلفة والاذاعات والتلفزيون والافلام السينمائية والمسرحيات.
12 – تطبيق القواعد العسكرية المتعلقة بالاعمال الحربية عند تسيير الجنود لاعمال مسلحة وفي استعمال الاسلحة والمعدات بجميع الطرق التي تمكنهم من القيام بالمهمة الموكولة اليهم.

 

ان هذه الصلاحيات هي المطلوبة لكي يلتزم الناس منازلهم، وكان على مجلس الوزراء منذ اليوم الأول اتخاذ هذا الاجراء لأننا أمام أمن صحي جماعي معرض للخطر، وأنه من التمعن في هذه الصلاحيات الاستثنائية، فالأمر لا يحتاج الى فقهاء قانون لمعرفة ودراية أن الوضع في لبنان يحتاج الى فرض هذه الاجراءات.

 

عقوبات موجعة
وما يعزز هذا الأمر، ما نصت عليه المادة السادسة من عقوبات موجعة في حال مخالفة التدابير، حيث نصت على ما يلي:
“عند اعلان حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية:
1 – يعاقب بالحبس من عشرة ايام إلى سنة وبالغرامة من خمسين ليرة إلى الف ليرة أو باحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف الاوامر والقرارات والتدابير المتخذة بناء لاحكام المادة 4 من هذا المرسوم الاشتراعي أو يحول دون تنفيذها بعمل ايجابي أو سلبي.
وعند حصول المخالفة بعمل ينص القانون على المعاقبة عليه بعقوبة اشد فتطبق أحكام اجتماع الجرائم المعنوي لفرض هذه العقوبة الاخيرة.
2 – يعاقب بالاعتقال الموقت كل من يقوم أو يحاول القيام بأي نشاط أو عمل لمصلحة شخص معنوي غير مرخص له أو غير مؤسس حسب القانون أو مقرر حله، أو يقوم أو يحاول القيام بأي نشاط أو عمل باسم هذا الشخص المعنوي أو بوسائله، أو يحرض على القيام به بأية وسيلة من الوسائل.
فوق ذلك يتعرض الشخص المعنوي نفسه للعقوبات وتدابير الاحتراز التي يمكن انزالها بالاشخاص المعنويين. ”

 

وبرأينا أن تهويل الحكومة بعقوبات في حق من يتجول، ليس له سند قانوني بغياب اعلان حالة الطوارىء. على الحكومة بالتالي ومجلس الوزراء ليس فقط بثلثي أعضاء المجلس بل باجماعه أن يتخذ قرارا باعلان حالة الطوارىء.

 

مع العلم أن هذا المرسوم الاشتراعي، قد ألغى صراحة المرسوم الاشتراعي رقم 27 تاريخ 16\2\1953 الذي يتعلق باعلان حالة الطوارىء.

 

إستشارة هيئة التشريع في العام 1971

 

اضافة الى ذلك، بقي المرسوم الاشتراعي نافذ دون أي تعديل، باستثناء شق معين منه عدل بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وبموجب وثيقة الوفاق الوطني التي تم توقيعها في مدينة الطائف حيث تم الاتفاق على أن مجلس الوزراء يتخذ في المواضيع الأساسية ومنها حالة الطوارىء فانها تحتاج الى ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وكذلك قرار اعلان التعبئة العامة حيث أدخل هذا التعديل بموجب القانون الدستوري رقم 18 الصادر في 21 أيلول سنة 1990.
وهنا برزت المخالفة التي ارتكبت من قبل مجلس الاعلى للدفاع الذي أعلن عن حالة التعبئة العامة، في حين أن الحالة المذكورة تتخذ بموجب وثيقة الوفاق الوطني والتعديل الدستوري الحاصل تبعا لها بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بثلثي أعضاءه.
ولتعزيز رأينا المشار اليه أعلاه، نحيلكم الى استشارة هيئة التشريع والاستشارات رقم 733\ر\1971 تاريخ 10\12\1971 الصادرة عن الرئيس روبير عبدو غانم والقاضي أحمد شحادة، حيث ورد فيها ما يلي:

 

“بما ان الاجابة على المسألة المعروضة تستلزم أولا البحث في المفهوم القانوني الذي لحالة الطوارىء بمقتضى القانون اللبناني، والاختصاصات التي تخولها للسلطة التي تقوم بممارسة أحكام الطوارىء.
وبما انه ان يكن صحيحا ان سيادة مبدأ المشروعية Principe de la légalité الذي يوجب على الادارة أن تجيء جميع تصرفاتها في حدود القانون، هي الشرط الاساسي لقيام الدولة القانونية l’Etat de droit الحديثة، الا ان هذا المبدأ يحد من صرامته امتيازات معترف بها للادارة من بينها سلطات الحرب والظروف الاستثنائية:
La théorie des pouvoirs de guerre et des circonstances exceptionnelles
وبمقتضاها يسمح للادارة – اذا ما فاجأتها ظروف استثنائية لا يمكن مواجهتها بقواعد المشروعية العادية – ان تتحرر من هذه القواعد بالقدر اللازم لمواجهة هذه الظروف بمقتضى تشريعات توسع سلطات الادارة – اي سلطات البوليس الاداري التي تستهدف حماية النظام العام – بالقدر الذي تجيزه هذه التشريعات، ومن بين هذه التشريعات القوانين التي تنظم احكام حالة الطوارىء عند تعرض البلاد لخطر مداهم ناتج عن حرب خارجية او ثورة مسلحة او اضطرابات تهدد النظام العام او وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة.
وبما ان حالة الطوارىء اذن هي احدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية فنخضع لاحكامها.”
وكما ورد في الاستشارة ما حرفيته:
“وبما انه من مراجعة احكام المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967 المتعلق باعلان حالة الطوارىء والمنطقة العسكرية يتبين ان القانون اللبناني يأخذ بالنوع الاول اي حالة الطوارىء السياسية بدليل :
1 – انه يقتصر على نقل صلاحية المحافظة على الامن التي تملكها اصلا السلطات المدنية من محافظين وقائمقامين وسواهم بمقتضى سلطة البوليس – ويجب ان نفهم كلمة «بوليس» هنا ليس بمعناها الدارج الذي يعني افراد الشرطة القائمين على تنفيذ سلطات البوليس وانما بالمعنى الذي لها في القانون الاداري حيث تعني ولاية سلطة عامة للحد من نشاطات الافراد وحرياتهم في سبيل الصالح العام – الى السلطة العسكرية العليا ووضع جميع قوى الامن، لهذه الغاية، تحت امرتها.
2 – توسيع سلطة البوليس هذه عن طريق منح السلطة العسكرية بعض الاختصاصات الواسعة على سبيل الاستثناء، كسلطة مصادرة الاشخاص والحيوانات والاشياء وسلطة تفتيش المنازل في الليل والنهار والامر بتسليم الاسلحة والذخائر والتفتيش عنها ومصادرتها والحد من حريات الاشخاص في الاقامة والتجول (ابعاد المشبوهين – فرض الاقامة الجبرية على الخطرين على الامن – اخضاع الاقامة في الاقاليم الدفاعية واقاليم الحيطة التي تحددها السلطة العسكرية لنظام معين – منع تجول الاشخاص والسيارات في الاماكن والاوقات التي تحددها السلطة المذكورة – وسلطة منع التجمعات والنشرات التي تخل بالامن والمراقبة على الصحف وسواها من وسائل الاعلام واقفال اماكن التجمع بصورة مؤقتة وغيرها من الامور المعددة في المادة الرابعة من المرسوم الاشتراعي المذكور.”

 

خطر داهم

 

وعليه، وبناء لما تقدم، وبناء للحالة التي وصلت اليها البلاد من خطر مداهم يشتد خناقا على أرواح الناس وعلى أرواح الجماعة، والتي في حالة عدم اتخاذ موجبات السلامة والوقاية، أمر محتوم أن يصيب بلادنا ما أصاب بداية الصين، ومن ثم ايطاليا وما يشاع عن مصير أسبانيا وفرنسا، ولا يمكن أن توصف هذه الحالات الا بالخطر المداهم وبالكارثة.
وحيث ان مواجهة هذه الكارثة تفترض اتخاذ صلاحيات استثنائية صارمة، لا سيما ازاء استخفاف بعض من المواطنين اللبنانيين بخطورة هذا الوباء.
وحيث ان مجلس الوزراء قد أخطأ منذ اليوم الأول بعدم اعلان حالة الطوارىء،
وحيث ان حالة الطوارىء مطلوبة اليوم وفي هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى،
لذلك، فاننا نضع دراستنا هذه بتصرف المعنيين على أمل أن يصل صوتنا الى من يعنيهم الأمر وأن يبادروا رأسا الى اتخاذ الخطوات المناسبة، مهما كانت الضغوط السياسية والأمنية والميليشياوية التي قد تمنع من حيث لا ندري اللجوء الى هذا الاجراء، لا سيما ما يتعلق بالسلاح غير الشرعي والمعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها الخارجون عن الدولة.
ان صحة الناس، كل الناس على المحك، وأن ما من مجال للمسايرة أو المهادنة في هذا المجال مع أي جهة.
وان الحكومة أمام الاختبار الأصعب، فاما أن تكون أداة ضعيف، أو أن تكون على عكس التوقعات قادرة على مواجهة هذه المحنة.
مع صلواتنا الى الله عز وجل أن يحمي بلادنا وأن يحمي أناسنا وأن يبعد عنا هذا الوباء ومخاطره، بتكاتفنا وتعاضدنا.